Translate فضل

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 أبريل 2024

ج5 وج6.كتاب عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري

 

ج5 وج6.كتاب عيون الأخبار ابن قتيبة 

الدينوري

وقال بعضهم: إن أحب إخواني إليّ، من كثرت أياديه عليّ.

شعر لرجل في أخٍ له وقال رجل في أخٍ له:

وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم لها وأقعد لا أقوم

وقال آخر:

أخٌ طالما سرّني ذكره ... فأصبحت أشجى لدى ذكره

وقد كنت أغدو إلى قصره ... فأصبحت أغدو إلى قبره

وكنت أراني غنيّاً به ... عن الناس لو مدّ في عمره

إذا جئته طالباً حاجةً ... فأمري يجوز على أمره

أعرابي يصف رجلاً وصف أعرابي رجلاً قال: كان واللّه يتحسّى مرار الإخوان ويسقيهم عذبه.

وقال أعرابي:

أخٌ لك ما تراه الدّهر إلا ... على العلاّت بسّاماً جوادا

سألناه الجزيل فما تلكّا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا

فأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا

مراراً لا أعود إليه إلاّ ... تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا

المودّة بالتّشاكل

لعبد اللّه بن عباس بلغني عن ابن عيينة أته قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر، ولم ير كتقارب القلوب.

بين العرجيّ ورجل قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. فقال: لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زناً فهو ألذّ وأحلى.

شعر للكميت بن معروف، وللطائي وقال الكميت بن معروف:

ما أنا بالنّكس الدّنئ ولا الذي ... إذا صدّ عنه ذو المودّة يقرب

ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهبٌ عني فلي عنه مذهب

ألا إنّ خير الودّ ودّ تطوّعت ... به النفس لا ودّ أتى وهو متعبٌ

وقال الطائي:

ذو الودّ وذو القربى بمنزلةٍ ... وإخواتي أسوةٌ عندي وإخواني

عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرّقوا في الأرض جيراني

أرواحنا في مكانٍ واحدٍ وغدت ... أبداننا بشآمٍ أو خراسان

شعر عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز وقال عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز:

ابن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحباً ... كمثلك إني مبتغٍ صاحباً مثلي

عزيزٌ إخائي، لا ينال مودّتي ... من القوم إلا مسلمٌ كاملٌ العقل

وما يلبث الإخوان أن يتفرّقوا ... إذا لم يؤلّف روح شكل إلى شكل

وقال الطائي:

ولن تنظم العقد الكعاب لزينةٍ ... كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل

كتاب كاتب لصديق له كتب بعض الكتّاب إلى صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمودٍ على الانقياد لك بغير زمامٍ، لأن النفس يتبع بعضها بعضاً.

أبو الدرداء لسلمان قال: حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن كعب عن بقيّة عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيدٍ قال: كتب أبو الدّرداء إلى سلمان: إن تكن الدار من الدار بعيدةً فإنّ الرّوح من الرّوح قريبٌ، وطير السماء على إلفه من الأرض يقع.

شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:

يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه

وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه

وللشكل على الشكل ... مقاييسٌ وأشباه

وفي العين غنيً للعي ... ن أن تنطق أفواه

للمساحقي وقال المساحقي:

يزهّدني في ودّك ابن مساحق ... مودّتك الأرذال دون ذوي الفضل

وأنّ شرار الناس سادوا خيارهم ... زمانك، إنّ الرّذل للزّمن الرّذل

باب المحبةللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المحبة قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب، وكان أدرك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبّه " لمجاهد

 

وحدّثني محمد بن داود عن أبي الرّبيع عن حمّاد بن زيد عن ليث عن مجاهد قال: ثلاثٌ يصفين لك ودّ أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه. وثلاثٌ من العيّ: أن تعيب على الناس ما تأتي، وأن ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.

وكان يقال: لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً. أي لا تسرف في حبك وبغضك.

للحسن في الإعتدال في الحب ونحوه قول الحسن: أحبّوا هوناً فإنّ أقواماً في حبّ قوم فهلكوا.

وكان يقال: من وجد دون أخيه ستراً فلا يهتكه.

شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا

بين عمر بن الخطاب وطليحة الأسدي قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لطليحة الأسديّ: قتلت عكّاشة بن محصنٍ! لا يحبّك قلبي! قال: فمعاشرةً جميلةً يا أمير المؤمنين، فإنّ الناس يتعاشرون على البغضاء.

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك - التي حسنت بك كأنها أعيادٌ، وفصرت بك حتى كأنها ساعات - يفوت الصفات؛ ومما جدّد الشوق وكثّر دواعيه تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم اللّه لنا النعمة المتجدّدة فيك بالنظر إلى الغرّة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.

للحسن قال الحسن: المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحبّ.

في بعض الكتب في شفاعة المحبة وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حس شفاعة المحبة أنّ الحبيب يسيء فيظنّ به الغلط ويذنب فيحتجّ له بالدّالّة، وذنبه لا يحتمل التأويل ولا مخرج له في جواز العقول. وفيه: كلّ ذنبٍ إذا شئت أن تنساه نسيته وإن شئت أن تذكره ذكرته، فليس بمخوفٍ. وليس الصغير من الذنب ما صغّره الحبّ، وإنما الصغير ما صغّره العدل. وليس الذنب إلا ما " لا " يصلح معه القلب ولا يزال حاضراً الدهر، وإلا ما كان من نتاج الؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير ذلك فإنّ الغفران يتغمّده والحرمة تشفع فيه.

من كتاب رجل إلى صديق له، وشعر معقل لمخارق وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب: لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي معمورٌ بمحبّتك. ونحوه قول معقل أخي أبي دلف لمخارقٍ :

لعمري لئن قرّت بقربك أعينٌ ... لقد سخنت بالبين منك عيونٌ

فسر وأقم وقفٌ عليك مّودتي ... مكانك من قلبي عليك مصونٌ

بين شبيب بن شيبة ورجل ذكر أنه يحبه وقال رجل لشبيب بن شيبة: واللّه أحبّك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي بجارٍ ولا أخٍ ولا قرابة! يريد أن الحسد موكّلٌ بالأدنى فالأدنى.

مثله بين شهر بن حوشب ورجل قال رجل لشهر بن حوشبٍ: إني لأحبّك. قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب اللّه ووزيرك على دين اللّه ومؤونتي على غيرك! شعر لبشار، ولغيره قال بشارٌ:

هل تعلمين وراء الحبّ مزلةً ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

وقال غيره:

أحبّك حبّين لي واحدٌ ... وحبّ لأنك أهلٌ لذاكا

فأمّا الذي أنت أهلٌ له ... فحسنٌ فضلت به من سواكا

وأما الذي في ضمير الحشا ... فلست أرى الحسن حتى أراكا

وليسلي المنّ في واحدٍ ... ولكن لك المنّ في ذا وذاكا

وقال المسيّب بن علسٍ:

وعين السّخط تبصر كلّ عيبٍ ... وعين أخي الرّضا عن ذاك تعمي

لعبد اللّه بن معاوية ونحوه لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

فلست براءٍ ذي الودّ كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

بين بعض الخلفاء ورجل وقال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك. قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من فقد الحبّ المرأة، ولكن عدلٌ وإنصافٌ.

لشريح وقال شريحٌ:

خذي العفو منّي تستديمي موّدتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب

لأعرابي في التشاكل وقال أعرابيّ: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر الودّ السليم إلا من القلب المستقيم.

 

وقال آخر: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأياً حازماً، فاجمع له مع المحبة الخلصة طاعةً لازمةً.

للخليل بن أحمد قال اليزيديّ: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعداً على طنفسةٍ، فأوسع لي فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سمّ الخياط على متحابّين ولا تسع الدنيا متباغضين.

مدح أبو زبيد للوليد بن عقبة وقال أبو زبيد للوليد بن عقبة:

من يخنك الصفاء أو يتبدّل ... أو يزل مثلما تزول الظلال

فاعلمن أنني أخوك أخو العه ... د حياتي حتى تزول الجبال

ليس بخلٌ عليك منّي بمالٍ ... أبداً ما استقلّ سيفاً حمالٌ

فلك النصر باللسان وبالكفّ ... إذا كان لليدين مصال

كلّ شيءٍ يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال

شعر للمنخل اليشكري وقال للمنخّل اليشكري:

وأحبّها وتحبّني ... ويحبّ ناقتها بعيري

لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: واللّه لكأنّ القلوب والألسن ريضت له، فما تعقد إلا على ودّه، ولا تنطق إلا بحمده.

لعبد اللّه بن الزبير قال عبد اللّه بن الزّبير ذات يوم: وللّه لوودت أنّ لي بكلّ عشرةٍ من أهل العراق رجلاً من أهل الشأم صرف الدينار بالدرهم. فقال أبو حاضرٍ: مثلنا ومثلك كما قال الأعشي:

علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً ... غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل

أحبّك أهل العراق وأحببت أهل الشّأم وأحبّ أهل الشأم عبد الملك بن مروان.

بين عمر وأبي مريم السّلولي وقال عمر لأبي مريم السّلولي: واللّه لا أحبّك حتى تحبّ الأرض الدّم. قال: فتمنعني لذلك حقّاً؟ قال: لا.قال: فلا ضير.

أيضاً بين عمر ورجل همّ بطلاق امرأته وقال عمر أيضاً لرجل همّ بطلاق امرأته: لم تطلقها؟ قال: لا أحبّها. قال: أوكل البيوت بنيت على الحب وأين الرعاية والتذّمم شعر لأعرابي في الحب قال أعرابي:

أحبّك حبّاً لو بليت ببعضه ... أصابك من وجدٍ عليّ جنون

لطيفٌ مع الأحشاء أما نهاره ... فسبتٌ وأما ليله فأنين

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: اللّه يعلم أنني أحبّك لنفسك فوق محبّتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعليّ، لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظّك على حظّي؛ وإني أحبّ وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك.

لبعضهم وقال بعضهم: هوّن فقد يفرط الحبّ فيقتل ويفرط الغمّ فيقتل ويفرط السّرور فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضمّ للحزن والحبّ.

أقوال في العشق وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة وقال بعضهم: العشق مرض قلبٍ ضعف.

وقال بعض الشعراء:

فتمّ على معشوقةٍ لا يزيدها ... إليه بلاء السّوء إلا تحبّبا

ما يجب للصديق على صديقهللنبي صلى اللّه عليه وسلم فيما يجب للمسلم على أخيه المسلم حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن ابن اسحاق عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " للمسلم على المسلم خصالٌ ستٌ: يسّلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشتمّه إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه " قال: حدثني شبابة قال: حدثنا القاسم بن الحاكم عن إسماعيل بن عيّاشٍ عن هشامٍ بن عروةٍ عن أبيه عن عائشةٍ رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن كان مظلوماً فخذ له بحقه، وإن كان ظالماً فخذ له من نفسه " لمعاذ بن جبل وحدثني القومسيّ قال: حدثنا أبو بكر الطبريّ عن عبد اللّه بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال: قال معاذ بن جبل: إذا آخيت أخاً فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوّاً فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينكما.

شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولبٍ في هذا المعنى:

جزى اللّه عنّا حمزة بنة نوفلٍ ... جزاء مغلٍ بالأمانة كاذب

بما سألت عنّي الوشاة ليكذبوا ... عليّ وقد واليتها في النوائب

لابن سيرين

 

قال: وحدثني محمد بن داود " قال " : حدثني سعيد بن منصور عن جرير عن عبد الحميد عن عنبسة قال: قال ابن سيرين: لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملنّ كتاباً إلى أمير حتى تعلم ما فيه.

وكان يقال: يستحسن الصّبر عن كلّ أحدٍ إلا عن الصديق.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إذا ضيّفت أمراً ضاق جدّا ... وإن هوّنت ما قد عزّ هانا

فلا تهلك بشيء فات يأساً ... فكم أمراً تصعّب ثم لانا

سأصبر عن رفيقي إن جفاني ... على كلّ الأذى إلا الهوانا

لابن المقفع وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامةّ بشرك وتحيّتك، ولعدوّك عدلك، وضنّ بدينك وعرضك عن كلّ أحدٍ.

لخالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة لما ولي قضاء البصرة قال أبو اليقطان: ولي خالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل يحابي؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير رجلٍ لا يقطع لأخيه قطعةً من دينه.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عجوزٍ، فقال: " إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان " .

لابراهيم النخعي فال إبراهيم النّخعيّ: إنّ المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب العقور فكيف عند الكريم الحسيب وقال الخليل بن أحمد:

وفّيت كلّ صديقٍ ودّني ثمناً ... إلا المؤمّل دولاتي وأيامي

ولعمربن أبي ربيعة في مساعدة الصديق وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق:

وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً

أطاف بغيةٍ فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمراً شنيعاً

أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناها جميعاً

لبعض الكوفيين وقال بعض الكوفيين:

فإن يشرب أبو فرّوخ أشرب ... وإن كانت معتّقة عقاراً

وإن يأكل أبو فرّوخ آكل ... وإن كانت خنانيصاً صغاراً

قول أعرابي لأخٍ له وقال رجل من الأعراب لأخٍ له: أما واللّه ربّ يومٍ كتنّور الطّاهي رقّاصٍ بشرارة، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحبّ شعر لابن الأعرابي، ولكثير وغيرهما وأنشد ابن الأعرابي:

أغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق

وقال كثّير:

ومن لا يغمّض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرةٍ ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

وقال آخر:

إذا ما صديقي رابني سوء فعله ... ولم يك عمّا ساءني بمفيق

صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق

ومن المشهور في هذا قول النابغة:

ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه ... على شعثٍ أيّ الرجال المهذّب

وكان يقال: من لك بأخيك كلّه وأنشدني الرّياشي:

إقبل أخاك ببعضه ... قد يقبل المعروف نزرا

وأقبل أخاك فإنه ... إنساء عصراً سرّ عصرا

ونحوه قول الآخر:

أخٌ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألواناً عليّ خطوبها

إذا عبت منه خلّةً فهجرته ... دعتني إليه خلّةٌ لا أعيبها

شعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

اصبر إذا عضّك الزمان،ومن ... أصبر عند الزمان من رجله

ولا تهن للصّديق تكرمه ... نفسك حتى تعدّ من خوله

يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله

ولست مستبقياً أخاً لك لا ... تصفح عما يكون من زلله

ليس الفتى بالذي يحول عن ال ... عهد ويؤتي الصديق من قبله

لخالد بن صفوان في أحب إخوانه إليه وقيل لخالد بن صفوان: أيّ إخوانك أحبّ إليك؟ قال: الذي يغفر زللي، ويقبل عللي ويسدّ خللي.

لبشار وقال بشار:

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

شعر الخريمي لأبي دلف وقال الخريمي لأبي دلف:

تملك إن كنت ذا إربةٍ ... من العالمين لشيخ وصيف

 

الإنصاف في المودّة

كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.

شعر لجرير، وغيره، في معنى هذا العنوان وقال جرير:

وإنّي لأستحي أخي أن ترى له ... عليّ من الحق الذي لا يرى ليا

وله أيضاً:

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حدّ السبف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل

ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك، فأنظر أيّ كف تبدّل

وقال آخر:

يا ضمر أخبرني ولست بمخبري ... وأخوك نافعك الذي لا يكذب

هل في القضيّة أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب

وإذا الشدائد بالشدائد مرّةً ... أشجينكم فأنا المحبّ الأقرب

عجباً لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب

ولما لكم طيب البلاد ورعيها ... ولي الثّماد ورعيهن المجدب

وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

هذا لعمركم ااصّغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب

وقال ابن عيينة: سئل علي كرم اللّه وجهه عن قول اللّه تعالى: " إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان " فقال: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضّل.

وقال الشاعر:

صبغت أميّة في الدماء رماحنا ... وطوت أميّة دوننا دنياها

ويقال: من سنّ سنّةً فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسألة فليرض بأن يعطى بقدر بذله.

وقال أبوالعتاهية:

إذا ما لم يكن لك حسن فهمٍ ... أسأت إجابة وأسأت سمعا

ولست الدّهر متّسعاً بفضلٍ ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا

وقال حمّاد عجرد:

ليت شعري أيّ حكم ... قد أراكم تحكمونا

أن تكونوا غير معط ... ين وأنتم تأخذونا

وقال آخر:

إذا كنت تأتي المرء تعرف حقّه ... ويجهل منك الحقّ فالترك أجمل

وفي العيس منجاةٌ وفي الهجر راحةٌ ... وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مرحل

وقال بشار:

إن كنت حاولت هواناً فما ... هنت وما في الهون من مقام

في الناس أبدال ولي مرحلٌ ... عن منزلٍ ناءٍ ومرعىً وخام

لا نائلٌ منك ولا موعدٌ ... ولا رسولٌ فعليك السلام

وقال آخر:

له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل

وقد كان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لغيره وهو الرسول

لأكثم بن صيفي وشعر لدعبل وقال أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في الكارة. أخذه دعبلٌ فقال:

وإنّ أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن

إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن

لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:

فإن آثرت بالودّ أهل بلادها ... على نازحٍ من أهلها لا ألومها

فلا يستوي من لا ترى غير لمّةٍ ... ومن هو ثاوٍ عندها لا يرميها

قول رجل لبعض السلطان وقال رجلٍ لبعض السلطان: أحقّ الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه، وأولاهم بالإنصاف من بسطت القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما عليك من الحق.

شعر المستهل بن الكميت لبني العباس قال المستهلّ بن الكميت لبني العباس:

إذا نحن خفنا في زمان عدوّكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد

مداراة الناس وحسن الخلق والجواربين رجل ووهب بن منّبه في معنى هذا العنوان قال: حدّثنا الحسين بن الحسن " قال " : حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن وهيب قال: جاء رجل إلى وهب بن منّبه فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألاّ أخالطهم. فقال له وهبٌ: لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعاً، وأعمى بصيراً، وسكوتاً نطوقاً.

العبد اللّه بن عمرو بن العاص

 

قال: وحدّثنا حسين بن الحسن قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن عليّ بن رباح قال: سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أربع خلالٍ إن أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به من الدّنيا: حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ، وحفظ أمانةٍ.

لعبد اللّه بن مسعود قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد اللّه بن باباه قال: قال عبد اللّه بن مسعود: خلطوا الناس وزايلوهم.

نصيحة صعصعة بن صوحان لابن أخيه عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنّه.

للمسيح عليه السلام قال المسيح صلّى اللّه عليه: " كن وسطاً وامش جانباً " لأبي الدرداء وروي أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهريّة قال: قال أبو الدّرداء: إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم.

بين عمر رضي اللّه عنه ولبيدة العجلي ودخل لبيدة العجليّ على عمر رضي اللّه عنه، فقال له عمر: أقتلت زيداً؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلاً يسمّى زيداً، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه اللّه بيدي ولم يهنّي به ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروهاً.

بين محمد بن أبي الفضل الهاشمي وأبيه قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلانٍ وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبي ناراً وأقدح عن ودّ.

شعر للمهاجر بن عبد اللّه الكلابي وقال المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ:

وإنّي لأقصي المرء من غير بغضةٍ ... وأدني أخا البغضاء منّي على عمد

ليحدث ودّاً بعد بغضاء أو أرى ... له مصرعاً يردي به اللّه من يردي

بين عقال بن شبة ولأبيه وقال عقال بن شبّة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغلٍ فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بنيّ، أفأوسّع جرحي! لابن الحنفية قال ابن الحنفيّة: قد يدفع باحتمال مكروهٍ ما هو أعظم منه.

للحسن في حسن السؤال، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.

لابن الشهاب مدح ابن شهابٍ شاعرٌ فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.

في الأثر وفي الحديث المرفوع: " أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن " وقال: إنّ حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الإعمار.

وقال: من حسّن اللّه خلقه وخلقه كان من أهل الجنة.

لبعض الشعراء قال الشاعر:

فتىً إذا نبّهته لم يغضب ... أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب

موكّل النفس بحفظ الغيّب ... أقصى رفيقته له كالأجنب

من كتاب العجم وقرأت في كتب العجم: حسن الخلق خير قرينٍ، والأدب خير ميراثٍ، والتوفيق خير قائدٍ.

لعائشة رضي اللّه عنها في الأنصار وقالت عائشة رضي اللّه عنها: ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألاّ تنزل من أبويها.

لجعفر بن محمد في حسن الجوار وصدقة السر وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السرّ مثراةٌ للمال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: ثلاثةٌ من قريش أحسنها أخلاقاً وأصبحها وجوهاً وأشدّها حياءً، إن حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقً أو باطل لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم.

شعر ليزيد بن الطثرية وقال يزيد بن الطثرية:

وأبيض مثل السيف خادم رفقةٍ ... أشمّ ترى سرباله قد تقدّدا

كريم على علاّته لو تسّبه ... لفدّاك رسلاً لا تراه مربدّاً

يجيب بلبيه إذا ما دعوته ... ويحسب ما يدعي له الدهر أرشدا

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من تزوّد خمساً بلّغته وآنسته: كفّ الأذى، وحسن الخلق ومجانبة الرّيب والنبّل في العمل، وحسن الأدب شعر للمرّار ولغيره، في مداراة القرابة وقال المرّار في مداراة القرابة:

ألا أنّما المولى كعظمٍ جبرته ... فلا يخرق المولى ولا جابر العظم

وقال آخر في مداراة الناس:

وأنزلني طول النّوى دار غربةٍ ... إذا شئت لاقيت آمراًر لا أشاكله

 

فحامقته حتى يقال سجيّةً ... ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقله

وقال بشارٌ:

خليليّ إنّ العسر سوف يفيق ... وإنّ يساراً في غدٍ لخليق

وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق

التلاقي والزيارةللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا الفضل بن دكينٍ عن طلحة بن عمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " زر غباً تزدد حباً " لجعفر بن سليمان في حبيب بن سويد وقال الأصمعيّ: دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر: حبيب بن سويد وادّ الصّديق، حسن الثناء، يكره الزيادة المملّة، والقعدة المنسية.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة: الزيادة في الرّحل، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.

شعر للطائي وقال الطائي

وحظّك لقيةٌ في كل عامٍ ... موافقةً على ظهر الطريق

للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن عاد مريضاً أو زار أخاً قال: أخبرنا اسحاق بن إبراهيم الصّواف عن موسى بن يعقوب السّدوسيّ عن أبي السّنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من عاد مريضاً أو زار أخاً ناداه منادٍ من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلاً " من كتاب رجل إلى صديق له كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزّك اللّه، في قرب تجاورنا وبعد تزاورنا ما قال الأول:

ما أقرب الدار والجوار وما ... أبعد مع قربنا تلاقينا

وكلّ غفلةً منك محتملةٌ، وكل جفوةٍ مغفورةٌ، للشّغف بك، والثّقة بحسن نيّتك، وسآخذ بقول أبي قيس:

ويكرمها جارتها فيزرنها ... وتعتلّ عت إتيانهنّ فتعذر

شعر لأعرابية وقالت أعرابية:

فلا تحمدوني في الزيادة إنّني ... أزوركم إذ لم أجد متعلّلاً

كتاب رجل إلى صديق له يستزيره وكتب رجل إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالإجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي، وقد جعلك اللّه للسّرور نظاماً، وللأنس تماماً، وجعل المشاهد موحشةً إذ خلت منك.

شعر لسهل بن هارون وقال سهل بن هارون:

وما العيش إلا أن تطول بنائل ... وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي

لبشار وقال بشار:

تسقط الطير حيث تلتقط الح ... بّ وتغشي منازل الكرماء

بين صديقين قال رجل لصديق له: قد تصدّيت للقائك غير مرّة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر: كلّ برّ تأتيه فأنت تأتي عليه.

شعر لابن الأعرابي، ولغيره قال ابن الأعرابي:

وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم ... لترجعني يوماً عليك الرواجع

وقال آخر:

رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفرٍ يسري به وهو لا يدري

تثاقلت ألا عن يدٍ أستفيدها ... وزورة ذي ودٍّ أشدّ به أزري

وقال آخر:

أزور محمداً وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور

فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير

لسفيان بن عيينة كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفّروا الأقدام إلا أقدارها؛ وأنشد:

نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... شرف الملوك ولا تخيب الزّوّر

وكان يقال: امش ميلاً وعد مريضاً، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة أميال وزر أخاً في اللّه.

لبعض المحدثين:

إذا شئت أن تقلى فزر متتابعاً ... وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا

وقال آخر:

أقلل زيارتك الصّدي ... ق يراك كالثوب استجدّه

إنّ الصديق يملّه ... ألاّ يزال يراك عنده

قول رجل لصديق عنده قال رجل لصديق له: ما أخلو وإن كان اللقاء قليلاً من سؤالٍ أو مطلعةٍ لك، فقلبي يقوم مقام العيان.

وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوالٌ لا يزري بها بعد اللقاء ولا يخلّ بها تنازح الديار. وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرّض به قبل معرفة العين للجفوة، لم أتوقّف على مطلعةٍ حتى أصير إليك.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

وما لي وجهٌ في اللئام ولا يدٌ ... ولكنّ وجهي في الكرام عريض

 

أصحّ إذا لاقيتهم وكأنّني ... إذا أنا لاقيت اللئام مريض

لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:

أبلغ أخاً ما تولى اللّه صحبتنا ... أنّي وإن كنت لا ألقاه ألقاه

وأن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه

اللّه يعلم أني لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه

المعاتبة والتجنّي

لأبي الدرداء في معاتبة الأخ قال: حدّثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال: قال أبو الدّرداء: معاتبة الأخ خيرٌ من فقده، ومن لك بأخيك كلّه!.

وكان يقال: التجنّي وافد الصّرم.

بعض ما جاء في الإنجيل وقرأت في الإنجيل: إن ظلمت أخوك فأذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فأن أطاعك فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فأستتبع رجلاً أو رجلين يشهدان ذلك الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن لم يستمع من أهل البيعة فليكن عندك كصاحب المكس.

شعر لابن أبي فنن وقال ابن أبي فنن:

إذا كنت تغضب من غير ذنبٍ ... وتعتب من غير جرمٍ عليّا

طلبت رضاك فإن عزّني ... عددتك ميتاً وإن كنت حيّا

قنعت وإن كنت ذا حاجةٍ ... فأصبحت من أكثر الناس شيّا

فلا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا

ولأبي نهشل يعاتب صديقه وقال أبو نهشل يعاتب صديقاً له:

عدلت عن الرّحاب إلى المضيق ... وزرت البيت من غير الطريق

وتظلم عند طاعتك الموالي ... وليس الظلم من فعل الصديق

تجود بفضل عدلك للأقاصي ... وتمنعه من الخلّ الشفيق

أمّا والراقصات بذات عرق ... وربّ البيت والركن الوثيق

لقد أطلقت لي تهماً أراها ... ستحملني على مضض العقوق

ولآخر وقال آخر:

فدع العتاب فربّ ش ... رّ هاج أوّله العتاب

للجعدي وقال الجعدي:

وكان الخليل إذا رابني ... فعاتبته ثم لم يعتب

هواي له وهوى قلبه ... سواي وما ذاك بالأصوب

فإني جريء على صرمه ... إذا ما القرينة لم تصحب

لرجل يعاتب صديقه قال رجلٌ لصديق له يعلتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطئك إلاّ لك، ولا أستزيدك إلا بك، فأنا منتظرٌ واحدة من اثنتين: عتبي تكون منك،أو عقبي الغنى عنك.

وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفحٌ لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجرٌ لا وصل بعده.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ولا خير في قربي لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه

يخونك ذو القربى مراراً وربّما ... وفي لك عند الجهد من لا تناسبه

لأوس بن حجر وقال آخر وهو أوس بن حجر:

وقد أعتب ابن العمّ إن كان ظالماً ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجل إلى صديق له: الحال بيننا تحتمل الدّالّة، وتوجب الأنس والثّقة، وتبسط اللسان بالاستزادة. وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك اللّه ممن يحتمل الدّالّة الكبيرة لذي الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحميّة.

من أقوال العرب لمن عوتب فلم يعتب والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب: " لك العتبى بأن لا رضيت " مثله شعر لبشر بن أبي خازم ونحوه قول بشر بن أبي خازم:

غضبت تميمٌ أن تقتل عامرٌ ... يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم

قول أوس بن حارثة لابنه وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب وهذا نحو قول الآخر: ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك بين إياس بن معاوية وشيخ أعرابي

 

وقال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلّما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخٌ من الحيّ، فقال لهما الشيخ: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة. فقلت للشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلّونه فقلت له: ما أفادك الدّهر؟ قال: العلم به. قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده. قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصلّيت عليه.

وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل نائياً من رأيك يغني عن اقتضائك.

من كتاب العتابي وقرأت في كتاب العتابي: تأّنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل حقّ من غلظ في اختيارك.

وقال الشاعر:

فأيّهما يا ليل إن تفعلي بنا ... فآخر مهجورٍ وأول معتب

كتاب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب: يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محامياً على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه. معنى بيت شريح:

فإني رأيت الحبّ في الصّدر والأذى ... إذا اجتمعنا لم يلبث الحبّ يذهب

باب الوداعللنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال: حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلاً: " أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك " قال: وحدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أريد سفراً غداً. فقال: " في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت " للحسن يودع رجلاً المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودّع رجلاً وعيناه تهملان وهو يقول:

وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مالٍ أو فراق حبيب

شعر لرجل ودّع صديقاً قال: وودّع رجلٌ صديقاً له وهو يقول:

وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك مثل افتقاد الندّيم

عليك السلام فكم من وفاءٍ ... نفارقه منك أو من كرم

وقال الطائي:

بيّن البين فقدها، قلّما تع ... رف فقداً للشمس حتى تغيبا

وقال جرير:

يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ ... لقنعت أو لسألت ما لم يسأل

بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ما أسمك؟ فقلت: بكّر. قال: من خلّفت ورائك؟ قلت: بنيّة. قال: ما قلت عند وداعك؟ قلت: قالت:

إذا غبت عنّا وخلّفتنا ... فإنا سواءٌ ومن قد يتم

أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم

أبانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم

قال: فما قلت لها أنت؟ قال: قلت ما قال جرير:

ثقي باللّه ليس له شريكٌ ... ومن عند الخليفة بالنّجاح

شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعراً:

أشوقاً ولمّا يمض بي غير ليلةٍ ... فكيف إذا سار المطيّ بنا شهراً

لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد:

وإنّي وإسماعيل عند وداعه ... لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل

فإن أغش قوماً بعدهم وأزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل

 

وقال آخر عند توديعه:

عجبت لتطويح النّوى من نحبّه ... وتدنو بمن لا يستلذّ له قرب

وقال آخر:

مالت تودّعني والقلب يغلبها ... كما يميل نسيم الريح بالغصن

ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ ... يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن

قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه: بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة.

شعر للبحتري وقال البحتري:

اللّه جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك

لا تعذلنّي في مسي ... ري يوم سرت ولم ألاقك

إنّي خشيت موافقاً ... للبين تفسح غرب ماقك

وعلمت ما يلقلا المودّ ... ع عند ضمّك واعتناقك

فتركت ذاك تعمّداً ... وخرجت أهرب من فراقك

الهداياللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال: حدّثنا يزيد بن عمرو قال:حدّثنا عمير بن عمران قال: حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور، وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة " .

وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت " .

وفي حديث آخر: " تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة القلب " .

لابن عمر في الهدايا قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعاً يحدّث قال: كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.

بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله " فقال " : لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يردّه علينا. وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا. فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال: أمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري. فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد.

للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً، ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إنّ الهديّة حلوةٌ ... كالسّحر تجتلب القلوبا

تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيّره قريبا

وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا

بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبداً أسود أهدى رجلّ إلى صديق له عبداً أسود، فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عدداً أقلّ من واحد أو لوناً شرّاً من الأسود لبعثت به إليّ.

وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد؟ قال: خبيثٌ قليل. قيل: وكيف؟ فقال: لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت.

جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء.

لابن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثياباً من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل: ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.

لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر:

أتاني أخٌ من غيبةٍ كان غابها ... وكنت إذا ماغاب أنشده ركبا

فجاء بمعروفٍ كثيرٍ فدسّه ... كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا

فقلت له هل جئتني بهديّةٍ ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا

هي النفس لا أرثي لها " من " بليّةٍ ... ولا أتمنى أن رأيت لها قربا

 

أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.

بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما جزاء الغنيّ من الفقير؟ قال: " النصيحة والدعاء " . قلت: يكره ردّ اللّطف؟ قال: " ما أقبحه، لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل القلوب " .

ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال: حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضراً:

كأنّ شماميس في بيعةٍ ... تسبّح في بعض عيداتها

وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفّوا كريم هديّاتها

علوت برأسي فوق الرؤوس ... فأشخصته فوق هاماتها

لأكسب صاحبتي صحفةً ... تغيظ بها بعض جارتها

فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد:

لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلةٌ ... فليس ينقصها التبذير والسّرف

فإن تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله. فكتب إليه العامل: أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق، إن شاء اللّه.

لبعضهم في الهدية وقال بعضهم: الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع.

لأبي السمط وكتب أبو السمط:

بدولة جعفرٍ حسن الزمان ... لنا بك كلّ يوم مهرجان

ليوم المهرجان بك اختيالٌ ... وإشراقٌ ونورٌ يستبان

جعلت هديّتي لك فيه وشياً ... وخير الوشي ما نسج اللسان

بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ إلى قتادة نعلاً رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديّته.

وقال الشاعر:

سقى حجّاجنا نوء الثريّا ... على ما كان من بخلٍ ومطل

هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدّوا دونها باباً بقفل

فإن أهديت فاكهةً وجدياً ... وعشر دجاج بعثوا بنعل

ومسواكين طولهما ذراعٌ ... وعشرٍ من رديء المقل حسل

فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعلٍ فدقّ اللّه رجلي

أناس تائهون لهم رواءٌ ... تغيم سماؤهم من غير وبل

إذا انتسبوا ففرعٌ من قريش ... ولكنّ الفعال فعال عكل

لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه له: لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك. وكرهت أن تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب أشنان.

شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلماً أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب إليه:

قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول

لا تقسه إلى ندى كفّك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل

واغتفر قلّة الهديّة منّي ... إنّ جهد المقلّ غير قليل

مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلاً وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها:

نعلٌ بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدمٌ إلى المجد

لو كان يمكن أن أشرّكها ... جلدي جعلت شراكها خدّي

لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك:

أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله

 

لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى ... يهدي لعظم فراقه وزياله

لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله

وقال المهديّ:

تفّاحةٌ من عند تفّاحةٍ ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد

واللّه ما أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرّقاد

كتاب بعض العمال إلى صديق له قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئاً منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برّاً ولا لطفاً. ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّراً عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها برّاً أعتدّ به أو لطفاً أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك:

إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله

معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم. قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئاً من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائباً. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول: يا بديح! اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته: خذوا من الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيراً؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود بها على ابن هند يوماً ما. وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول: قليلٌ من كثير وما كل رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال معاوية فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم بقريش من قريش.

بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم يريد: سأنام؛ فقلت: معي خبيص؛ فقال: مكانك حتى أخرج إليك.

بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء: إن فلاناً يقرئك السلام؛ فقال: هديةٌ حسنة ومحمل خفيف.

لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها " راح " براحٍ وكتب إليها:

قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك

قد شربناك فأشربي ... وبعثنا إليك بك

شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد:

وهبت لنا يا أخا منقرٍ ... وعجل وأكرمها أوّلا

عجوزاً أضرّ بها دهرها ... وأنزلها الذّلّ دار البلى

سلوحاً حسبت بأن الرّعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا

وأجدب من ثور زرّاعةٍ ... أصاب على جوعه سنبلا

وأزهد من جيفةٍ لم تدع ... لها الشمس من مفصلٍ مفصلا

فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيفها جندلا

وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا

فقلت أبيع فلا مشرباً ... تؤدي إليّ ولا مأكلا

أم أجعل من جلدها حنبلاً ... فأقذر بحنبلها حنبلا

 

إذا هي مرّت على مجلس ... من العجب كبّر أو هلّلا

رأو آية خلفها سائقٍ ... يحثّ وإن هرولت هرولا

فكنت أمرت بها ضخمةً ... بشحم ولحمٍ قد اسستكملا

ولكنّ روحاً عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا

فعضّ الذي خانني حاجتي ... بإست آمه بظرها الأغرلا

فلولا مكانك خضّبتها ... وعلّقت في جيدها جلجلا

فجاءت لكيما حالها ... فتعلم أني بها مبتلي

سألتك لحماً لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيّلا

فخذها وأنت بها محسنٌ ... وما زلت بي محسناً مجملا

لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه:

بعثت إليّ بأضحيّةٍ ... وكنت حريّاً بأن تفعلا

ولكنها خرجت غثةً ... كأنك أرعيتها حرملا

فإن قبل اللّه قربانها ... فسبحان ربّك ما أعدلا

لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النّعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء بالعراق.

شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:

جزى اللّه من أهدى التّرنج تحيةً ... ومنّ بما يهوى عليه وعجّلا

أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا

ولو أنه أهدى إليّ وصاله ... لكان إلى قلبي ألذّ وأوصلا

شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً:

تأنق في الهديّة كلّ قومٍ ... إليك غداة شربك للدواء

فلمّا أن هممت به مدلاّ ... لموضع حرمتي بك والإخاء

رأيت كثير ما أهدي قليلاً ... لعبدك فاقتصرت على الدّعاء

وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة

العيادةللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأنصار من رمدٍ كان بعينه.

ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثة لا يعادون صاحب الدّمل والرمد والضرس " عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر: أن أبا الدرداء عاد جاراً له نصرانياً.

للشعبي في عيادة الحمقى " النوكي " قال الشعبي: عيادة النّوكي أشدّ على المريض من وجعه.

بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.

مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلاً فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا.

بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالاً عاد رجل رقبة، فنعى رجالاً اعتلّوا مثل علّته، فقال له رقبة: إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا.

لأعرابي يعود أعرابياً عاد أعرابيّ أعرايباً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجداً، فهو الشفاء بإذن اللّه.

شعر لكثير قال كثير:

ألا تلك عزّة قد أقبلت ... تقلّب للبين طرفاً غضيضا

تقول مرضت وما عدتنا ... فقلت لها لا أطيق النهوضا

كلانا مريضان في بلدةٍ ... وكيف يعود مريضٌ مريضا

وقال آخر:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

لبشار وقال بشار:

لو كانت الفدية مقبولةً ... لقلت بي لا بك حمّاكا

شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل:

نبئت أنّك معتلٌّ فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كلّ محذور

 

يا ليت علّته بي غير أنّ له ... أجر العليل وأنّي غير مأجور

وكتب آخر إلى عليل:

أقول بحقٍّ واجبٍ لك لازمٍ ... وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر

بي السوء والمكروه لا بك كلّما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر

وقال آخر في مثله:

فأن تك حمّى الغبّ شفّك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر

وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بي الشكوى وكان لك الأجر

في الأثر وفي الحديث المرفوع " حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء " وفي حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: " من أصبح منكم صائماً؟ " . قال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازةً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن فيكم تصدّق بصدقة؟ " قال عمر: أنا. فقال صلى اللّه عليه وسلم: " وجبت وجبت وجبت " .

وفي حديث آخر: أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة " .

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

إن كنت في ترك العيادة تاركاً ... حظّي فإني في الدعاء لجاهد

فلربما ترك العيادة مشفقٌ ... وأتي على غلٍ الضمير الحاسد

للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال: حدّثنا العتبيّ عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيراً ولم يكفّ عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضاً وقالت: إن فلاناً داويناه فلم ينفعه الدواء.

لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم: حدّثنا القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتباً على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت ترون، فرحم اللّه امرأً دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.

بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال: ما يبطىء بك؟ قال: أريد أن أساهرك. قال: أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.

لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت؟ فلما أكثروا عليه قال: كما قلت لصاحبك.

مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه " عائد " وسأله دفع إليه الرقعة.

لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال: كان رجل من أهل السّواد محدوداً لا يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها:

وما زلت أقطع عرض الفلاة ... من المشرقين إلى المغربين

وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً ... وأستمطر الجدي والفرقدين

وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفّي حنين

فقيراً وقيراً أخا عسرةٍ ... بعيداً من الخير صفر اليدين

كئيب الصّديق بهيج العدوّ ... طويل الشّقا زاني الوالدين

وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع

 

قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيّاً وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه: كيف وقعت؟ فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال: هكذا وقعت.

لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدراً أبو الخطاب قال: كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شرّ من الذي ذهب.

شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال: سقط ابن شبرمة القاضي عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال:

أقول غداة أتاني الخبير ... فدسّ أحاديثه الهينمة

لك الويل من مخبرٍ ما تقول؟ ... أبن لي وعدّ عن الجمجمة

فقال خرجت وقاضي القضا ... ة مثقلةٌ رجله مؤلمة

فقلت وضاقت عليّ البلاد ... وخفت المجلّلة المعظمة

فغزوان حرّ وأمّ الوليد ... إن اللّه عافى أبا شبرمة

جزاءً لمعروفه عندنا، ... وما عتق عبدٍ له أو أمه؟

قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد؟ فضحك وقال: أو ما تعرفهما؟ هما سنّوران في البيت.

لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال: حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال: دخلنا على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له: كيف تجدك؟ قال: أجدني أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد.

مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا!.

سئل عليلٌ عن حاله فقال: أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل.

وقيل لآخر: كيف تجدك؟ قال: أجدني لم أرض حياتي لموتي.

وقيل لرجل من المعجم: ما حالك؟ قال: ما حال من يريد سفراً طويلاً بلا زادٍ! وينزل منزلاً موحشاً بلا أنيس! ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة!.

قيل لعكرمة: كيف حالك؟ قال: بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسوراً.

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قيل لشيخ من العبّاد: كيف أنت، وكيف أحوالك؟ فقال: ما كلّها كما أشتهي.

قيل لآخر: ما تشتكي؟ قال: تمام العدّة وانقضاء المدّة.

لأبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال: مرض أبو الدّرداء، فعاده صديقٌ له فقال: أيّ شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فأيّ شيء تشتهي؟ قال: الجنة. قال: فندعوا لك بالطيب؟ قال: هو أمرضني.

سئل رجلٌ عن حاله فقال:

كنا إذا نحن أردنا لم نجد ... حتى إذا نحن وجدنا لم نرد

بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال: يا مصقل:

أبقي الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم

قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من المظالم

فقال مصقلة: أمّا قول أمير المؤمنين: " أبقي الحوادث من خليلك " ، فقد أبقى اللّه منك جبلاً راسياً وكلأً مرعيّاً لصديقك وسمّاً ناقعاً لعدوّك. وأما قولك: " قد رامني الأقوام قبلك " ، فمن ذا يرومك أو يظلمك! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم. فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال: واللّه لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضاً.

بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ: دخل كثيّر عزّة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة. فضحك وأمر له بمال؛ فقال:

ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التّشكّي كان بالعواد

لو كان يقبل فديةٌ لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي

لآخر وقال آخر:

لا تشكون دهراً صححت به ... إنّ لبغني في صحة الجسم

هبك الخليفة، كنت منتفعاً ... بلذاذة الدنيا مع السّقم؟

بين المسور وابن عباس

 

إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا عباس هلاّ ساعةً غير هذه! قال ابن عباس: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها عليّ.

كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لازلت! وكيف قوتك ونشاطك؟ لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك، وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك! لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكيناً للاعج الشوق.

تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلاً في كتاب: لئن تخلّفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصاً عن خبرك في ممساك ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في ألمها ألمك، ومن تتّصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئاً بالعافية مخبراً بالعذر، معفيّاً من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالاً.

شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس:

تجمّعن من شتّى ثلاث وأربعٌ ... وواحدةٌ حتى بلغن ثمانيا

سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ ... وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطاميا

وأقبلن من بعض الخيام يعدنني ... ألا إنّ بعض العائدات دوائيا

شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري " عائد الكلب " وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:

ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود

فسمّي " عائد الكلب " ، وولده الآن يسمّون " بني عائد الكلب "

التعازي وما يتمثّل به فيها

لابن جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال: قال عبد الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل أهله إيماناً واحتساباً سلا كما تسلو البهائم.

إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى المهديّ يعزّيه عن ابنته: أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له. وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن هارون ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل المصيبة.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها ... للّه في ظلّ المكاره كامنه

يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ: واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضاً، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك.

لصالح المرّي يعزّي رجلاً وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم.

ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها.

ومثله قول الشاعر:

إن يكن ما به أصبت جليلاً ... فلفقد العزاء فيه أجلّ

لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها.

لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع؟ الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير:

وأهون مفقودٍ إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنّعا

وقال آخر:

ولم أر نعمة شملت كريماً ... كنعمة عورةٍ سترت بقبر

وعزّى رجل رجلاً فقال: لا أراك اللّه بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.

شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز:

تعزّ أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد

هل ابنك إلاّ من سلالة آدمٍ ... لكلّ على حوض المنيةّ مورد

لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك.

شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق:

 

يمثّل ذا اللبّ في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا

فإن نزلت بغتةً لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلاً

رأى الهمّ يفضي إلى آخر ... فصيّر آخره أولا

وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا

فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا

ولو قدّم الحزم في أمره ... لعلمه الصبر عند البلا

موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة! مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلاً توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر:

حسبي حياة اللّه من كل ميتٍ ... وحسبي بقاء اللّه من كل هالك

إذا ما لقيت اللّه عنّي راضياً ... فإنّ شفاء النفس فيما هنالك

لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلّقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك.

كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف: المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفاً بعبده، وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطاً وانتقاماً، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقّاً الجامعة لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة اللّه عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر المأمول على قدر ذلك.

وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي الأمير. وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من المفقود.

وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضاً وافياً وخلفاً كافياً. وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه.

لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ: أسأل اللّه أن يسد بك ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه.

في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ: لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف رأيك، ولم يرجع إليك فائتاً ولا إلى شقيقك بمكانه روحاً ولا إلى من خلّف حفظاً. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل.

 

وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ.

وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع. ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك.

وقرأت في كتاب: نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمداً بعيداً، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيماناً وإيقاناً، ولا يجعله ذهولاً ونسياناً.

لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.

لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: أن فقدي إياه أمّنني من المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر:

وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر

ومثله:

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية:

وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن

في الأثر وفي الحديث: " من يرد اللّه به خيراً يصب منه " .

ويقال: المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن.

بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي: مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ؟ فقلت: واريناه؛ فقلت: فما هذا السّويق؟ فقلت:

على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهم ... على البؤس والبلوى وفي الحدثان

لأعرابي قيل لأعرابيّ: كيف حزنك اليوم على ولدك؟ فقال: ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزناً.

لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عمّا أصابك.

لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعوا اللّه فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ.

لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه: إذا ما قضى اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني.

شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي:

فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي

وقال آخر:

إذا أنت لم تسا اصطباراً وحسبةً ... سلوت على الأيام مثل البهائم

بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجاباً من الجزع وستراً من النار.

فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعاً يستتر منه، وما توفيقي إلا باللّه.

فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ اللّه يقول: " وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين " .

شعر للطائي وقال الطائيّ:

ويفرح بالشيء المعار بقاؤه ... ويحزن لمّا صار وهو له ذخرٌ

عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبسٌ ... فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر

وقال أيضاً:

أمالك إنّ الحزن أحلام نائم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم

تأمّل رويداً هل تعدّنّ سالماً ... إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم

وقال آخر:

اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجلّد ... واعلم بأن الدهر غير مخلّد

أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ ... وترى المنية للعباد بمرصد

وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها ... فاذكر مصابك بالنبيّ محمد

لرجل يعزّي الرشيد

 

عزّي رجلالرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا عنك.

ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضاً يعزّي أهل نجران بعضهم بعضاً بهذا الكلام: لا يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.

لبعض الزبيريين يعزّي رجلاً عزّى بعض الزّبيرّيين رجلاً فقال: ريصفر ربعك، ولا يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى ... فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهر

فيا ليت من فيها عليك وليت من ... عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر

وقاسمني دهري بنيّ بشطره ... فلما توفّى شطره مال في شطري

فصاروا ديوناً للمنايا ومن يكن ... عليه لها دين قضاه على عسر

كأنّهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قبر

وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفّوا مات خوفي من الدهر

فللّه ما أعطى وللّه ما جزى ... وليس لأيام الرّزيّة كالصبر

فحسبك منهم موحشاً فقد برّهم ... وحسبك منهم مسلياً طلب الأجر

لشبيب بن شيبة يعزّي يهودياً عزّى شبيب بن شيبة رجلاً من اليهود فقال: أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل ملّتك.

للعتبي وقال العتبي:

ما عالج الحزن والحرارة في ال ... أحشاء من لم يمت له ولد

فجعت بأبنيّ ليس بينهما ... إلا ليال ليست لها عدد

وكلّ حزنٍ يبلى على قدم ال ... دّهر وحزني يجدّه الأبد

وقال أيضاً:

ألا يزجر الدهر عنا المنونا ... يبقّي البنات ويفني البنينا

وأنحى عليّ بلا رحمةٍ ... فلم يبق لي في جفوني جفونا

وكنت أبا سبعةٍ كالبدور ... أفقّي بهم أعين الحاسدينا

فمرّوا على حادثات الزمان ... كمرّ الدراهم بالناقدينا

فأفنتهم واحداً واحداً ... إلى أن أبادتهم أجمعينا

وألقين ذاك إلى ضارحٍ ... وألقين هذا إلى دافينا

وما زال ذلك دأب الزما ... ن يفني الأوائل فالأوّلينا

وحتّى بكى لي حسادهم ... فقد أقرحوا بالدموع الجفونا

وحسبك من حادثٍ بامرىء ... ترى حاسديه له راحمينا

وكانوا على ظهرها أنجماً ... فأضحوا إلى بطنها ينقلونا

فمن كان يسليه مرّ السنين ... فحزني يجدّده لي السنونا

ومما يسكّن وجدي بهم ... بأن المنون ستلقى المنونا

تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم.

تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد، وعظّم اللّه أجركم.

شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ:

أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفورٌ وأنت سليب

نسيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب

وإني لأستحي أخي وهو ميتٌ ... كما كنت أستحييه وهو قريبٌ

وقال أعرابيّ:

وما نحن ألا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلاً بعدهم وتقدّموا

وقال آخر:

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

وأجزع أن ينأى به بين ليلةٍ ... فكيف ببين صار ميعاده الحشر

وقال آخر:

وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجّر

لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ:

ربّ مغروسٍ يعاش به ... عدمته كفّ مغترسه

 

وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه

شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يوماً فقال:

إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه ... وأوحش من جيرانه فهو سائر

وقال آخر:

وإذا قيل مات يوماً فلانٌ ... راعنا ذاك ساعةً ما نحير

نذكر الموت عند ذاك وننسا ... ه إذا غيّبته عنا القبور

وقال آخر:

نراع من الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفي ذاهبات

كروعة ثلّةٍ لمغار سبع ... فلما غاب ظلّت راتعات

وقال أبو نواس:

سبقونا إلى الرّحي ... ل وإنا لبالأثر

تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقّه. فزاده اللّه توفيقاً إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علماً بما دخل على الأمير من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج القرابة. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.

تعزية إلى أمير وفي كتاب: نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليّاً وعضداً أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن الجزع على غيرك.

كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد بن عبد اللّه: ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير، فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصاً، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب. ورحم اللّه الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمنّ حيل بينه وبين الواجب.

مثله لابن مكرم ولابن مكرم: وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر. فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد ملته وجابر رزيّته. وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك، ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.

تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها.

 

وفي فصل آخر: لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما تضنّ به النفوس، وأن أكون ستراً بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ. فأعظم اللّه أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظاً فيك ولا سبيلاً عليك.

بين الوليد وعبسيّ المدائني قال: قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛ فسأله عن سبب ضرّه، فقال: بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيّاً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيّاً رضيعاً وبعيراً صعباً، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه. وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت ثلاثة وأخذت واحداً، وكنّ أربعاً - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً. أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. وشخص إلى إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيراً كثيراً.

شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:

من سبق السّلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر

يا عجباً من هلعٍ جازعٍ ... يصبح بين الذّم والوزر

مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ليت شعري ضلةً ... أيُّ شيءٍ فتلك

والمنايا رصدٌ ... للفتى حيث سلك

كلّ شيء قاتل ... حين تلقى أجلك

ليت نفسي قدّمت ... للمنايا بدلك

أيُّ شيءٍ حسنٍ ... للفتى لم يك لك

وقال آخر:

غرّ امرؤ منته نف ... سٌ أن تدوم له السلامة

هيهات! أعيا الأولي ... ن دواء دائك يا دعامه

شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها:

كنا كغصنين في جرثومةٍ سموا ... حيناً بأحسن ما تسموا له الشجر

حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... وطاب قنواهما واستنظر الثمر

أخنى على واحدي ريب الزمان ولا ... يبقي الزمان على شيءٍ ولا يذر

كنّا كأنجم ليلٍ وسطنا قمرٌ ... يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر

للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله:

كأنّ بني تبهان يوم وفاته ... نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر

وقال آخر:

لكلّ أناسٍ مقبرٌ بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد

وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت ... وبيتٌ لميتٍ بالفناء جديد

هم جيرة الأحياء أمّا جوارهم ... فدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد

وقال آخر:

لا يبعد اللّه أقواماً لنا ذهبوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد

نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد

وقال النابغة:

حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي

وقال آخر:

وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً ... فحال قضاء اللّه دون رجائيا

ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا

وقال آخر:

لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنه وارى ثياباً وأعظما

لفضالة بن شريك فضالة بن شريك:

رمى الحدثان نسوة آل حربٍ ... بفادحةٍ سمدن لها سمودا

فردّ شعورهنّ السود بيضاً ... وردّ وجوههن البيض سودا

وقال آخر:

أمّا القبور فإنّهنّ أوانسٌ ... بجوار قبرك والديار قبور

عمّت مصيبته فعمّ هلاكه ... فالناس فيه كلّهم مأجور

ردّت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور

 

لمنصور النّمري منصور النّمريّ:

فإن يك أفنته الليالي فأوشكت ... فإنّ له ذكراً سيفني اللياليا

شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت:

مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلّب

وقال هشام أخو ذي الرّمّة:

تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن العين ملآن مترع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع

لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين. ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين.

التهانيبين الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا أبو قتيبة قال: حدّثنا ميمون " قال " حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس. فقال: لعله يكون بغّالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لمتزوّج قال: " على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند الرحمن " أبو الأسود يهنىء رجلاً تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة.

نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول: بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهى أن يقال: " بالرّفاء والبنين " لعطاء بن أبي صيفي الثقفي يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال: إن أوّل من هنّأ وعزّى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ. عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه. قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية. وعظّم اللّه في أمير المؤمنين أجرك،وأحسن على الخلافة عونك.

مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العبّاس: أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم خلافتك.

بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة: اخطب عليّ هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع ابن القرّية إلى الحجّاج فقال: أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك، وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودوداً ولوداً، وجمع بينكما على البركة والخير.

لبعض الكتّاب يهنّىء رجلاً بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه عاجلاً وآجلاً خير منازل المفلحين.

تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج:

قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسّعد ما غابا وما طلعا

ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه ومن سمعا

دام السّرور له بها ولها ... وتهنّأ طول الحياة معاً

تهنئة رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين للحال وزينتها، فهنيئاً هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول التعمير والسنين.

من بعض الكتّاب إلى عامل

 

وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها، وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها.

تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال: " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " ، وقال: " إنّ الدّين عند اللّه الإسلام " . والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرّفه بولاء خليفته. وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: " لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانواآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " .

تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ: الحمد للّه على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛ وجعلك ممنٍ قلبه مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً تفضل عملك، وتوفيقاً يحوط دينك، وشكراً يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.

تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود: أنا - أعزّك اللّه - لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك. وكلّ ما نقّل اللّه الفتى " و " بلّغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر، وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد، وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئاً بتجدّد النعمة عندكم فيه. فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين، بمنّه فضله.

تهنئة بحجّ إلى صاحبه: الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ في تعظيمه وشكره. ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلاً بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير. وأنا أسأل اللّه الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالماً، وأصدرك عنه غانماً؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة.

تهنئة بولاية

 

وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية: فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة.

كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ. " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وه شرٌ لكم " وقال أيضاً: " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً " وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والإستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحاً مجدّداً، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك.

أيضاً تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ: لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئاً لك بالأوبة، ومجدّداً بك عهداً، ومحيياً نفسي بالنظر إلك. وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك، ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك.

تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب: لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئاً، تعظيماً لنعمه فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري. فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية، وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب.

باب شرار الإخوان لشيب بن شيبة في خالد بن صفوانذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجلٌ ليس له صديقٌ في السرّ ولا عدوٌّ في العلانية.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

وإنّ من الخلاّن من تشحط النّوى ... به وهو داعٍ للوصال أمين

ومنهم صديق العين أمّا لقاؤه ... فحلوّ وأمّا غيبه فظنون

لعيينة بن حصن قبل إسلامه أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركبٌ خارجون منها؛ فقال: أخبروني عن هذا الرجل " يعني النبيّ صلى اللّه عليه وسلم " ، فقالوا: الناس فيه ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشاً وأفناء العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقى أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال: ما يسمّى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون. قال: فأشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.

دعاء لرجل وكان يدعو فيقول: اللّهم اكفني بوائق الثّقات، واحفظني من الصّديق. وكتب رجلٌ على باب داره: جزى اللّه من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً، فأمّا أصدقاؤنا فلا جزوا ذلك، فأنّا لم نؤت قطّ إلا منهم.

شعر إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك الزيات وكتب إبراهيم بن العبّاس إلى محمد بن عبد الملك الزيّات:

وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا

وقد كنت أشكو إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذمّ الزمانا

وكنت أعدّك للنائبات ... فهأنا أطلب منك الأمانا

شعر لمحمد بن مهدي وقال محمد بن مهديّ:

كان صديقي وكان خالصتي ... أيّام نجري مجاري السّلق

حتى إذا راح والملوك معاً ... عدّ اطّراحي من صالح الخلق

خلّيت ثوب الفراق في يده ... وقلت هذا الوداع فانطلق

 

لبسته لبسة الجديد على ال ... قرّ وفارقت فرقة الخلق

وقال آخر:

ذا رأيت أمراً في حال عسرته ... مواصلاً لك ما في ودّه خلل

فلا تمنّ له أن يستفيد غنىً ... فإنه بانتقال الحال ينتقل

كتاب رجل لصديق له أعرض عنه وكتب رجلٌ إلى صديق أعرض عنه: لولا أنّي أشفقت من أشتات ظني " في " إجابتك إلى ما يعلم اللّه براءتي منه فيك ولك لمعجبك ولكفيتك مؤونتي، ثقةً بأنّ ازديادك من معرفة الناس ستردّك إلّي؛ فإن رجعت قبلت وتمسّكت واغتبطت وإن أصررت لم أتبع مولّيا، ولم آس على مدبر ولم أسامح نفسي على تعلّقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسىً على أيّامي معك وما تؤكّد بيني وبينك. وما من كرةٍ لي إليك إلا وهي داعيةٍ إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك ولو فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه الخفّ محمل ما يكون منك عليّ ولا جست في عتباك ورضاك وفي جواب كتاب: وقد وزعني ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن استبطائك على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في يقيّته؛ وقد قيل:

يأبين إلا جفوةً وظلما ... من كثرة الوصل تجنّى الجرما

وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي وفي اعتدادك عليّ بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه، وما أنكر الخلاف بين الأب وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قطّ، فإني لم أخالفك ولم أشاححك ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك بنهي.

شعر للحسن بن وهب وقال الحسن بن وهب:

سأكرم نفسي عنك حسب إهانتي ... لها فيك إذ قرّت وكفّ نزاعها

هي النّفس ما كلفتها قطّ خطةً ... من الأمر إلا قلّ منه امتناعها

صدقت لعمري أنت أكبر ههّمها ... فأجهدها إذ قلّ منك انتفاعها

هب أنّي أعمى فاتت الشمس طرفه ... وغيّب عنه نورها وشعاعها

ولعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

رأيت فضيلاً كان شيئاً ملفّقاً ... فكشّفه التحميص حتى بدا ليا

فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا

فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا

فلست براءٍ عيب ذي الودّ كلهّ ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا

أيضاً من عبد اللّه بن معاوية إلى بعض إخوانه وكتب ايضاً إلى بعض إخوانه: أما بعد، فقد عاقني الشكّ فيك عن عزيمة الرأي في أمرك؛ ابتدأني بلطف عن غيره خبرة، ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنب؛ فأطعمني أوّلك في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحاً، ولا أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونرى الزيادة في الغمّ أدوم لجميل رأيك.

شعر لكثير، ولغيره ومثله قول كثير:

وإن شحطت يوماً بكيت وإن دنت ... تدلّلت واستكثرتها باعتزالها

ونحوه قول الكميت:

وقد يخذل المولى دعائي ويجتدي ... أذاتي وإن يعدل به الضيم أغضب

فأونس من بعض الصديق ملالة الدّنوّ فأستبقيهم بالتجنّب

وقال آخر:

إنك ما أعلم ذو ملةٍ ... يذهلك الأدنى عن الأقدم

وقال عبد الحمن بن حسان:

لا خير في الودّ ممن لا تزال له ... مستشعراً أبداً من خيفةٍ وجلا

إذا تغيّب لم تبرح تسيء به ... ظناً وتسأل عمّا قال أو فعلا

ولمرّة بن محكان وقال مرّة بن محكان:

ترى بيننا خلقاً ظاهراً ... وصدراً عدواً ووجهاً طليقا

ونحوه قول المرّار:

 

كذبٌ تخرّصه عليّ لقومه ... سلم اللسان محارب الإسرار

نصيحة أعرابية لابنها وحدثني أبو حمزة الأنصاريّ قال: حدثنا العتّبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصحبة من مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح.

أصناف الإخوان وكان يقال: الإخوان ثلاثة: أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده. وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، دون رفده ومعونته. وأخٌ يلهوق لك لسانه، ويتشاغل عنك بشانه، ويوسعك من كذبه وأيمانه.

شعر للمثقّب العبدي، ولأوس بن حجر وقال المثقب العبدي:

فإما أن تكون أخي بصدقٍ ... فأعرف منك غثّي من ثميني

وإلا فاجتنبني واتخذني ... عدوّاً أتقيك وتتّقيني

وقال أوس بن حجر:

وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبلاً

ولكن أخوك النائي ما دمت آمناً ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا

وقال آخر:

لعمرك ما ودّ اللسان بنافعٍ ... إذا لم يكن أصل المودّة في القلب

لأبي حارثة المدني وقال أبو حارثة المدنيّ: ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول.

شعر للعباس بن الأحنف، ولآخرين قال العباس بن الأحنف:

أشكو الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا

واستنهضوني فلمّا قمت منتهضاً ... بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا

ونحوه قول المجنون:

وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح

تجافيت عنّي حين لا لي حيلةً ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح

وقال آخر:

ولا خير في ودّ إذا لم يكن له ... على طول مرّ الحادثات بقاء

وأنشد ابن الأعرابي:

لحا اللّه من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين

ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً ... يقطع بها أسباب كلّ قرين

ويقال: صاحب السوء جذوةٌ من النار.

لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقال عليّ عليه السلام: " لا تؤاخ الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويحبّ لو أنك مثله ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار. ولا الأحمق فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضّرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولا الكذّاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدّث بالصدق فما يصدّق " شعر رآه أبو قبيل في بلاد الروم قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها:

ولا تصحب أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه

فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه

يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه

وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه

وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه

شعر لعدي بن يزيد وقال عديّ بن يزيد:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن نقتدي

وللرياشي وأنشد الرياشي:

إن كنت لا تصحب إلا فتىً ... مثلك لم تؤت بأمثالكا

إنّ لك الفضل على صحبتي ... والمسك قد يستصحب الرّامكا

هبني أمراً جئت أريد الهدى ... فجد على ضعفي بإسلامكا

ليحيى بن خالد وكتب يحيى بن خالد: أحبّ أن تكون على يقين أنّي بك ضنين، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عنّي ما كان ذلك بي وبك جميلاً يحسن عند إخواننا، وإن وقعت القادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي هاجني على الكتاب أنّ أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، واللّه يعلم أنّي ما تبدلت وما حلت عن عهد، فجمعنا اللّه وإياك على طاعته ومحبّة خليفته.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل ؤغير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ وأهرب من الئيم الأحمق.

شعر لحماد عجرد وقال حمّاد عجرد:

كم من أخٍ لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر

 

متصنّع لك في مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر

يطري الوفاء وذا الوفاء ويل ... حي الغدر مجتهداً وذا الغدر

فإذا عدا، والدهر ذو غير، ... دهرٌ عليك عدا مع الدهر

فارفض بإجمالٍ أخوة من ... يقلي المقلّ ويعشق المثري

وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العسر إمّا كنت واليسر

لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر!

لسويد بن الصامت وقال سويد بن الصامت:

ألا ربّ من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري

مقالته كالشّحم ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثورٌ على ثغرة النّحر

تبين لك العينان ما هو كاتمٌ ... من الضّغن والشّحناء بالنّظر الشّزر

فرشني بخيرٍ طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يرش ولا يبري

وقال آخر:

وصاحبٍ كان لي وكنت له ... أشفق من والدٍ على ولد

كنّا كساقٍ تسعى بها قدمٌ ... أو كذراعٍ نيطت إلى عضد

حتى إذا دانت الحوادث من ... خطوي وحلّ الزمان من عقدي

احولّ عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي

وكان لي مؤنساً وكنت له ... ليست بنا وحشة إلى أحد

حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفدٍ يد الأسد

لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:

إخوان هذا الزمان كلّهم ... إخوان غدرٍ عليه قد جبلوا

طووا ثياب الوفاء بينهم ... وصارثوب الرّياء يبتذل

أخوهم المستحقّ وصلهم ... من شربوا عنده ومن أكلوا

وليس فيما علمت بينهم ... وبين من كان معدماً عمل

بين رجل وصاحبه وقال دعبل:

أبا مسلم كنّا حليفي مودّة ... هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا

أحوطك بالودّ الذي لا تحوطني ... وأرأب منك الشّعب أن يتصدّعا

فلا تلحينّي لم أجد فيك حيلةً ... تخرّقت حتى لم أجد فيك مرقعا

فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشّمت قلبي قطعها فتخشّعا

وقال يزيد بن الحكم الثّقفي:

تكاشرني كرهاً كأنك ناصحٌ ... وعينك تبدي أنّ قلبك لي دوي

لسانك ماذيّ وقلبك علقمٌ ... وشرّك مبسوطٌ وخيرك منطوي

عدوّك يخشي صولتي إن لقيته ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوي

أراك إذا لم أهوا لأمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوي

أراك اجتويت الخير منّي وأجتوي ... أذاك فكل يجتوي قرب مجتوي

وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي

ويقال: إيّاك ومن مودّته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودّة لأحد الحكماء في ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن وقال الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.

شعر لجرير قال جرير:

فأنت أخي ما لم تكن لي حاجةٌ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا

تعرّضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمرٌ لحاليا

وإنّي لمغرورٌ أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أنّ مالك ماليا

بأيّ نجادٍ تحمل السيف بعدما ... نزعت سناناً بعد قناتك ماضيّا

ألا لا تخافا نبوتي في ملمّةٍ ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا

لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:

أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه

فإذا احتجت إليه ... ساعةً مجّك فوه

وقال آخر:

موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي

والعرب تقول فيمن شركك في النّعمة وخذلك عند الئبة: يربض لاحجرة ويرتع وسطاً.

للحجاج يتمثل بشعر قعنب ابن أم صاحب

 

قال المدائنيّ: لحن الحجاج يوماً، فقال الناس: لحن الأمير. فأخبره بعض من حضر، فتمثّل بشعر قعنب بن أمّ صاحب:

صمّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا

فطانةٌ فطنوعها لو تكون لهم ... مروءة أو تقىً للّه ما فطنوا

إن يسمعوا سيّئاً طاروا به فرحاً ... منّي وما سمعوا من صالح دفنوا

باب القرابات والوادللنبي صلى اللّه عليه وسلم في صلة الرحم حدّثني زيد بن أخزم قال:حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ولد سعيد بن العاص قال: أخبرني أبي قال: كنت عند ابن عبّاس، فأتاه رجل فمتّ إليه برحم بعيدةٍ، فلان له وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرّحم إذا قطعت وإن كانت قريبةً ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً " .

لعبد اللّه بن دينار في النعمة والأمانة والرحم حدّثني شبابة قال: حدّثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد اللّه بن دينار قال: إحذروا ثلاثاً، فإنهنّ معلّقات بالعرش: النعمة تقول يا ربّ كفرت، والأمانة تقول يا ربّ أكلت، والرّحم تقول يا ربّ قطعت.

لمحارب بن دثار في صلة الرحم حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: قال محارب بن دثار: إنما سمّوا أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك عليك حقاً، فكذلك لولدك عليك حقّ.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أبو سفيان الغنويّ عن عبد اللّه بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه " .حدّثني القومسيّ قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثنا كثير بن زيد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من انفسهم " . وحدّثني أيضاً عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد اللّه بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم: " الرّحم شجنةٌ من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " .

لعثمان رضي اللّه عنه حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال: قال عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، وأنا أعطي قرابتي لوجه اللّه، ولن يرى مثل عمر.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: حدّثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه فليصل رحمه " .

حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا سفيان عن عبد اللّه بن عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا يزيد في العمر إلا البرّ ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذّنب يصيبه " .

حدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيدٌ عن مطر عن الحكم بن عتيبة عن النّخعيّ عن ابن عمر قال: أتى رجا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: " أو ما علمت أنك ومالك لأبيك " .